عدنان بن عبد الله القطان

20 جمادى الآخرة 1444 هـ – 13 يناير 2023

————————————————————————————

الحمد لله الجليل ثناؤُه، الجميل بلاؤُه، الجزيل عطاؤُه الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ بالله من شرور أنفسِنا ومن سيِّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يُضلِلْ فلا هاديَ له، ونشهد أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شريكَ له، يغفر الذنوب، ويستُر العيوب، أسبغ علينا نعمَه ظاهرة وباطنَة، ونشهد أنَّ سيدنا ونبينا محمَّداً عبد الله ورسوله وخليله ومصطفاه، بلَّغَ الرسالة وأدَّى الأمانة ونصَح الأمة وجاهَد في الله حقَّ جهاده حتى أتاه اليقينُ، صلَّى الله وسلم عليه وعلى آلِه وأزواجه وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أمّا بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

معاشر المسلمين: كم نحن بحاجة إلى أمور تورثنا وتحقق لنا الأمن والطمأنينة، والراحة والسكينة النفسية والروحية، في زمن كثرت فيه الهواجس، وتفشى فيه الخوف، وظهرت

فيه الهموم والغموم والأحزان والأوبئة والأسقام والأمراض، فهل يمكن أن يدفع الإنسان عن نفسه الشرور والمصائب والحروب والكوارث، التي لا يشعر بوجودها، ولا موعد وقوعها، ولم تكن على الحسبان؟ هل يمكن أن يدفع الله عنك بلاءً محققاً؟ أقول: نعم، يستطيع الإنسان ذلك، إذا قام بأمور شرعية، وردت في كتاب الله تعالى، وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وأمور دنيوية لا تقوم الحياة إلا بها، وهي مما تعارف عليها الناس، وأصبحت من ضروريات الحياة…  والمسلم مع هذه الأمور والأحداث والوقائع، يجب أن يعتقد أنها من أقدار الله، وأن الأعمال الشرعية المكلف بها هي من أقدار الله كذلك، ويحكم الله في عباده ما يشاء.

وهي أسباب لا تقوم الحياة إلا بها، ولا يحدث التبدل والتحول والتغيير إلا وفق التعامل معها، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.

عباد الله: فتقوى الله تعالى صمام أمان، وطريق نجاة، وحرز من كل شر ومكروه، يقول تعالى: (وَأَلوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً) ويقول سبحانه: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) ويقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)  ويقول جل وعلا: (ومَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً) يقول علماء السلف الصالح، (من أراد دوام العافية فليتق الله). يقول الصحابي الجليل عبْدِ الله بنِ عَبّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُما: كُنْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْماً، فَقَالَ:(يَا غُلاَمُ، إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ؛ أحْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ، أحْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ  لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَإِنِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ).

أيها الأخوة والأخوات في الله: ومن آمن بقدر الله وقدرته ومشيئته، وأدرك عجزه وحاجته إلى خالقه تعالى، فهو يصدق في توكلِّه على ربَّه، ويأخذ بالأسباب التي خلقها الله عز وجل، ويطلب من ربه العون والسداد، فيتولد عنده الأمن النفسي، وراحة البال، يردد في يقين، قول الله (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ)

أيها المؤمنون: وبالمحافظة على أذكار الصباح والمساء، يدفع الإنسان بها عن نفسه الكثير من الشرور والآفات، والمشاكل والمصائب والأحزان؛ يقول صلى الله عليه وسلم: (سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أن يقول العبد: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي؛ فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ.. من قَالَهَا مِنْ النَّهَارِ مُوقِنًاً بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنْ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّة) ويقول صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَالَ، يعنِي إذا خَرَج مِنْ بيْتِهِ: بِسْم اللَّهِ توكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، ولا حوْلَ ولا قُوةَ إلاَّ بِاللَّهِ، يقالُ لهُ هُديتَ وَكُفِيت ووُقِيتَ، وتنحَّى عنه الشَّيْطَانُ) وفي رواية: (فيقول: يعْنِي الشَّيْطَانَ لِشَيْطانٍ آخر: كيْفَ لك بِرجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفي وَوُقِى؟). وهكذا هي سائر الأذكار الشرعية فيها الخير والأمن والسلامة والبركة. فهذا يونس عليه السلام قال عز وجل عنه، وقد ألقي في البحر، والتقمه الحوت، وقد أصبح في كرب وشدة، وضيق، لم ينتفع إلا بذكر الله، ومناجاته، والتضرع بين يديه، في سالف عمره، قال تعالى: (فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) أي لولا ما تقدم له من العمل الصالح في الرخاء. وقيل: لولا أنه كان من المصلين قبل ذلك: (لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) أي لصار له بطن الحوت قبراً إلى يوم القيامة. يقول بعض السلف رحمه الله: (اذكروا الله في الرخاء يذكركم في الشدة).

أيها الأخوة المؤمنون والمؤمنات: والمحافظة على الصلوات المفروضة، تدفع عن صاحبها الكثير من المصائب والشرور، وخاصة صلاة الفجر إذا صليت في وقتها، فيكون العبد سائر يومه في ذمة الله عز وجل، يقول صلى الله عليه وسلم: (مَنْ صَلَّى صَلَاةَ الصُّبْحِ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ، فَلَا يَطْلُبَنَّكُمُ اللَّهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ، فَإِنَّهُ مَنْ يَطْلُبْهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ يُدْرِكْهُ ، ثُمَّ يَكُبَّهُ عَلَى وَجْهِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ) عياذاً بالله.

عباد الله: ويتقي الإنسان شرور الحياة وفتنها؛ ببذل الخير والمعروف، وتقديم النفع للآخرين، فيرفع الله درجة العبد، ويدفع عنه البلاء، ويقيه مصارع السوء. فكم من عمل قام به المرء لا يلقي له بالاً؛ دفع الله به عنه مصائب ومحن وشرور لم تكن بالحسبان، يقول صلى الله عليه وسلم:(صَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السَّوْءِ، وَالصَّدَقَةُ خَفِيًّاً تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ زِيَادَةٌ فِي الْعُمُرِ، وَكُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ وَأَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الدُّنْيَا أَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الآخِرَةِ، وَأَهْلُ الْمُنْكَرِ فِي الدُّنْيَا أَهْلُ الْمُنْكَرِ فِي الآخِرَةِ وَأَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَهْلُ الْمَعْرُوفِ)

عباد الله: ومن أسباب دفع البلايا والمصائب والشرور والفتن عن الأفراد والمجتمعات والدول: القيام بفريضة الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر حسب الاستطاعة والإمكان والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والقول الحسن والرفق واللين، والنصيحة لجميع الناس، لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، يقول صلى الله عليه وسلم: (والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتَأْمُرُنَّ بالْمَعْرُوفِ، ولَتَنْهَوُنَّ عَنِ المُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّه أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَاباً مِنْهُ، ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلا يُسْتَجابُ لَكُمْ). ففي القيام بهذه الشعيرة سلامة من العقوبات الدنيوية؛ الخاصة والعامة، ونجاة من الهلاك العام للقائمين والمذكرين بهذه الفريضة الجليلة.

أيها المسلمون: ومن أسباب دفع البلاء والمصائب التوكلُ على الله عز وجل، وحقيقة التوكل تفويض الأمر إليه، مع فعل الأسباب المشروعة والمباحة، والجزم بأن الله على كل شيء قدير، الذي له الخلق والأمر، والذي يقول للشيء: كن؛ فيكون، والذي ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن؛ فعلى المسلم دائماً و أبداً أن يعلق قلبه بالله عز وجل رغبة ورهبة، وخوفاً ورجاءً، ومحبة، فمن توكل على الله كفاه ما أهمَّه من أمر دينه ودنياه: (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) وَلْيَحْذَر المسلم العجب من عمل الصالحات، فإن هذا محبط للعمل، ولقد لقن الله المؤمنين درساً يوم حنين حينما أعجبوا بكثرتهم، وظنوا أنها كافية في نصرهم، قال الله عز وجل: (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ).

أيها المسلمون: والأولاد إذا أخذوا من حياتنا النصيب والحظ الأوفر من الرعاية والعناية، والحب والخوف عليهم، وبذل الجهود الكبيرة للمحافظة عليهم، ودفع كل بلاء عنهم، وتأمين حياتهم ومستقبلهم، يدفع الله بذلك الكثير من الشرور، وقد ربط الله سبحانه وتعالى علاج هذه القضية بصلاح الآباء وتقواهم لله، ولم يجعل ذلك بكثرة المال والعقار. وكم دفعت من بلاء أعمالاً صالحة قام بها الآباء والأمهات، فحفظ الله لهم الأبناء والبنات، وضمن لهم مستقبلهم، قال تعالى: (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًاً سَدِيداً) وفي سورة الكهف، يقول تعالى عن سبب حفظ الجدار وبنائه وترميمه من قبل الخضر عليه السلام: (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ، وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً).

أيها الأخوة والأخوات في الله: ومما يدفع الله به البلاء، ويفرج به الكربات، بعد حسن العمل: حسن الظن بالله، وهذا ما جعل الفتية أصحاب الكهف الذين أحسنوا الظن بمولاهم، فخالفوا القريب والبعيد في سبيل مرضاته، ففارقوا أقرب الناس فراراً إلى وليهم سبحانه، من الشرك والفسوق والعصيان، واستبدلوا لأجل مرضاته ضيق الكهف بسعة العيش الرغيد، فما كان إلا أن وسعه الله عليهم بما نشر لهم فيه من رحمته: (فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقاً)  وتأملوا قوله تعالى: (يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ) فيعلم العبد أن رحمة الله واسعة، إذ بعضها، أو قدر معلوم عند الله منها؛ يكفي ليجعل ذلك الكهف، أو ذلك السجن، أو تلكم الزنزانة جنة أو روضة من رياض الجنة.

نسأل الله تعالى عن يدفع عنا كل بلاء وسوء ومكروه ويجنبا كل فتنة ومحنة ويثبتنا على الهدى والحق حتى نلقاه إنه سميع الدعاء.

نفعني الله وإياكم بالقران العظيم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد فيا أيها المسلمون: إن البلاء لا يمكن دفعه، والمصيبة لا يمكن رفعها، إلا بالأخذ بالأسباب المنجية من ذلك؛ فمن أسباب دفعِ البلاء ورفعِه، الرجوعُ إلى الله تعالى، قال الله عز و جل: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) وقال سبحانه :(وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) وقال تعالى: (وَأَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) وقال جل وعلا: (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) فإذا رجع العباد إلى ربهم وإلى طاعته، واجتنبوا معصيته ومخالفته دافع الله عنهم ورفع عنهم  البلايا و المصائب والحروب والشرور.

أيها الأخوة والأخوات في الله: وهناك المخاوف التي تراود التجار والمستثمرين، وأصحاب الأموال والعقار على أموالهم ومؤسساتهم وشركاتهم من أن يصيبها تلف أو خسارة غير متوقعة، فإنه ينبغي على كل مسلم ومسلمة أن يحصن نفسه في هذا الباب، بأن يكون المال حلالاً، وأعماله لا تخالف الدين، ولا تتسبب في أذية أحد من الناس، وأن يلتزم الصدق في السلوك والمعاملة، وفي البيع والشراء، وأن يبتعد عن الغش والتدليس والتزوير، يقول صلى الله عليه وسلم: (البيِّعان بالخِيار ما لم يتَفرّقا، فإن صدَقا وبيَّنا بُورِك لهما في بيعِهما، وإن كذبا وكتَما مُحِقَت بركة بيعِهما) فكم من أموال لا يكتب لها القبول والتوفيق؟ وكم من صفقات تتلاشى وتضمحل وتنتهي ولا يستفاد منها، لعدم حلول البركة فيها. ومن يخشى الفقر، ويريد أن يأمن الفاقة والحاجة والتلف فعليه بالإنفاق، يقول صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْ يَوْمٍ يُصبِحُ العِبادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلانِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًاً خَلَفًاً، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًاً تَلَفًاً) وقال: إن اللَّه تَعَالَى يقول في الحديث القدسي: (أَنْفِق يَا ابْنَ آدمَ يُنْفَقْ عَلَيْكَ) وهل يخسر أحدٌ يتاجر في تجارته مع الغني الكريم؟ (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)عباد الله: ومن أسباب رفع الآفات والمصائبِ الاستغفارُ؛ فإن الاستغفار مرضاة للرب، ومنجاة من سخطه، قال الله عز وجل: (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) ومن لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب) ومن أسباب دفع البلاء والمصائب التوبةُ إلى الله عز وجل قال الله تعالى: (فَإِن يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَّهُمْ) وقال سبحانه: (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) وقال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة). فتوبوا إلى ربكم واستغفروه (يُمَتِّعْكُم مَّتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ، وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ، إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)

عباد الله: ومن أسباب دفع البلاء والمصائب الدعاء والتضرُّعُ إلى الله تعالى عند وقوع المصيبة، قال الله عز وجل: (وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ، فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) وقال سبحانه: (وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ) وقال عز وجل: (وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ)

 اللهم ادفع عنا وعن جميع المسلمين في كل مكان المصائب والبلايا والآفات واكفنا شرور ذنوبنا ومعاصينا يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم يا بارئ البريات، وغافر الخطيئات، وعالم الخفيات، المطلع على الضمائر والنيات يامن أحاط بكل شيء علماً، ووسع كل شيء رحمة، ً وقهر كل مخلوق ٍ عزة ً وحكماً، أغفر لنا ذنوبنا وتجاوز عن سيئاتنا، إنك أنت الغفور الرحيم. اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين. اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا إتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين.

اللهم أحفظ بلادنا البحرين وبلاد الحرمين الشريفين، وخليجنا، واجعله آمناً مطمئناً سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين. اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحب وترضى، وفق ملكنا حمد بن عيسى وولي عهده رئيس وزرائه سلمان بن حمد، اللهم أعنهم على أمور دينهم ودنياهم.  وهيئ لهم من أمرهم رشداً، وأصلح بطانتهم ومستشاريهم ووفقهم للعمل الرشيد، والقول السديد، ولما فيه خير البلاد والعباد إنك على كل شيء قدير.

اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلِح لنا آخرتَنا التي إليها معادُنا، واجعل الحياةَ زيادةً لنا في كل خير، واجعل الموتَ راحةً لنا من كل شر. اللهم ارفع عنا البلاء والوباء وسيء الأسقام والأمراض، وعاملنا بما أنت أهله، ولا تعاملنا بمن نحن أهله، أنت أهل التقوى والمغفرة.. اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان ناصراً ومؤيداً، اللهم أحفظ بيت المقدس والمسجد الأقصى وأهله واجعله شامخاً عزيزاً عامراً بالطاعة والعبادة إلى يوم الدين.. اللهم اشفِ مرضانا، وعاف مبتلانا، وارحم موتانا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا، واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا..

الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)

      خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين